قراءة جديدة لنتائج الانتخابات العراقية



كتابات - إبراهيم الزبيدي

لكي نقرأ النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات قراءة واقعية، تضيء لنا، إلى حد بعيد، توجهات الشارع العراقي، بعد خمس سنوات من الاحتراب والخلاف والتمزق، ولكي نصل إلى رؤية واضحة لنتائج الانتخابات القادمة التي ستجرى في نهاية هذا العام، علينا أن نعترف قبل كل شيء بأن الهزيمة الأكيدة كانت من نصيب التطرف الطائفي والعنصري، ولا أقول الديني والقومي. فتلك النتائج أظهرت، وبالأرقام، خسارة قائمة شهيد المحراب في المحافظات الجنوبية، وفي كربلاء، بوجه خاص، وخسارة الجبهة الكردستانية في الموصل، وخسارة الحزب الإسلامي في الأنبار وصلاح الدين. كما أن قلة الأصوات التي حصل عليها كل من أياد علاوي وصالح المطلق، تعني، بالضرورة، قلة عدد البعثيين الصامدين بوجه التيار، ومحالفيهم الحالمين بالعودة عبر أحزاب وتجمعات رديفة أو بديلة.
ولعل من الواجب التذكير بحقيقة مهمة في هذا المجال. فعدم ظهور شخصية ديمقراطية كرزمية جديدة تقتحم الساحة بصدقية أوباما وجرأته ووضوح رؤيته أدى إلى جعل هذه النتائج غير حاسمة لم تعط الأغلبية المطلقة لأي من المتنافسين.
واللافت للنظر هو ما جرى في كربلاء، حيث فاز علماني مستقل، وخسرت أحزاب دينية عريقة في عقر دارها. كما أن فوز السيد المالكي بالمرتبة الأولى في عدد كبير من المحافظات الجنوبية يعني أن الناخب العراقي راض عن توجهاته الوطنية التقدمية غير الدينية وغير الطائفية، ويشد على يده ويحمله أمانة تطوير تلك التوجهات، وإخراجها من إطار الشعارات إلى عالم الواقع المعاش.
فالنتائج الأخيرة تؤكد بوضوح نفرة العراقيين، على اختلاف أديانهم وقومياتهم وطوائفهم، من التطرف، وتطلعهم إلى حكم مركزي قوي يشرك الجميع ولا يهمش ولا يستثني، ولا يعتمد إلا على الكفاءة والخبرة والنزاهة في تعيينات الحكومية المركزية والمحافظات. وليس صعبا أن نتنبأ بنتائج الانتخابات القادمة. إذ إن المتوقع أن تتصاعد وتيرة التحول العلماني الديمقراطي في توجهات الناخب العراقي أكثر، وتعطي زخما أقوى وأكبر لمن يكثف توجهاته الديمقراطية العملية وليس النظرية، وينجز بعض ما وعد به. هذا إذا افترضنا خلو الساحة من قيادة مركزية جديدة ستفرزها الجماهير في غفلة من الآخرين.
وفي كل ما جرى يتحدد الغائب الأكبر. فالجسد الثقافي العلماني كان غائبا بالكامل عن الساحة، عاجزا عن أداء دوره الحقيقي في بلورة الرأي العام وقيادته وتعديل توجهاته، بل وخوض الانتخابات بقائمة تمثل المبدعين والمفكرين وطبقة التكنوقراط، ممن يعرف الناخب العراقي كفاءاتهم وخبراتهم العلمية والعملية ونظافة سجلاتهم من الفساد المالي والإداري وسمو شعاراتهم الإنسانية المترفعة عن الطائفية والعنصرية والمتمسكة بشدة بإقامة الدولة العاقلة العادلة، دولة دولة القانون والقضاء النزيه المستقل، دولة الخبرة والكفاءة لا دولة الغش والمحسوبية الحزبية والطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية التي لم تجلب للمواطنين سوى التمزق والتشرذم والفساد. وإذا كانت محاولات سابقة لتجميع هذا الجسد الثقافي وتوحيده وإطلاقه قد فشلت فالأمل يظل قائما في أن يتصدى للمهمة مثقفون آخرون فيكتب لهم النجاح فيما فشل فيه زملاؤهم.
ملاحظة مهمة أخرى لابد من تسجيلها. فمهما قيل عن الفساد الحالي، وعن التشرذم والعنف والإرهاب، فإن الصفاء الذي شهدته أجواء الوطن طيلة أيام التحضير للانتخابات، وخلال يوم الاقتراع، وعند فرز النتائج وإعلانها، لا يعني فقط قدرة قوات الأمن الوطنية العراقية على ضبط الأمن والحفاظ على السلامة العامة، بل يعني أيضا أن الإرهاب الذي شهده الوطن في السنوات السابقة التي أعقبت سقوط النظام كان صناعة خارجية غريبة عن العراقيين، وإن كان بعض أدواتها عراقية مغررا بها أو متخلفة. ويعني أيضا أن الغالبية العظمى من المواطنين في شرق الوطن وغربه، شماله وجنوبه، مسالمة عاقلة عادلة ترفض اتخاذ العنف أسلوبا للحوار فيما بين أبنائها، وتقر بأن هذا الوطن لجميع أبنائه، لا لفئة واحدة منهم ولا لحزب ولا لقائد، وأن خيره في قوته، وعزته في وحدته. كما أن شعبنا نفى عن نفسه، في انتخابات المحافظات، تهمة الإرهاب، وسيمحو تهمة الفساد عما قريب. بل إنه رد على بعض أشقائنا العرب ممن ظل يردد طيلة السنوات الماضية أن عهد الديكتاور كان أفضل للعراق مما جاء بعده، وأثبت لهم بالدليل القاطع أن جميع مساويء العهد الجديد لا تمثل سوى نقطة صغيرة في بحر خراب الديكتاتور وعصبته التي أذاقتنا ما لم يذقه أحد من أشقائنا ولا جيراننا عبر قرون. وعيوب العهد الجديد، مهما كبرت، وأولها وأبغضها الاحتلال، يمكن التغلب عليها وتصحيحها، ما دام صندوق الاقتراع هو الحكم الوحيد بين الطامحين إلى السلطة، وما دام في إمكان أي عراقي، مهما كانت قوميته أو طائفته أو دينه أو مدينته، أن يتسلق السلم، فيبلغ قمته أو يفشل، دون أن يمسه الحاكم بسوء.
وعلى الأقل لم يعد من صلاحية فرد أو حزب، مهما كان، أن يأمر بحرب أو بغزو أو باحتلال، وليس ممكنا في العراق بعد اليوم لا القيام بانقلاب عسكري يبدل لصا بلص وقاتلا بقاتل، ولا حتى الزعم الكاذب بمحاولة انقلاب فاشلة ترتقي بحجتها مشانق الحزب القائد عشرات أو مئات الأبرياء.
عراقنا بعد انتخابات المحافظات بألف ألف خير.

About This Blog

About This Blog

  © Blogger template 'Sunshine' by Ourblogtemplates.com | Distributed by Deluxe Templates 2008

Back to TOP