(المعمم ) و( رجل الدين)


كتابات - ثائر الاسدي

مضت سنوات على انهيار الديكتاتورية وسقوط الصنم وآفاق الحرية رحبة جداً وكل من يريد ان يبدع وسط هذه المساحة الواسعة من الحرية يجد الباب مفتوحاً على مصراعيه ليلج ويعمل دون اي خطوط حمراء فالكتّاب والمفكرون والسياسيون ورجال الدين والاعلاميون والفنانون وغيرهم تنفسوا الصعداء بعد سنوات عجاف ، بل ان بعضهم قتله إبداعه في زمن الطاغوت والآن وبعد هذا الاستقرار النسبي في حياتنا على جميع الأصعدة ، نريد ان نطرح بعض الاسئلة عن دور فئة مهمة برزت بسرعة كبيرة وطفحت إلى السطح بعد سقوط الديكتاتورية فاحتلت مكاناً يحلم به كل المفكرين والقادة والثوار والسياسيين هذه الفئة او قل بوضوح (طبقة المعممين) (ملاحظة: هذه الطبقة تختلف عن رجال الدين من العلماء العاملين لله تعالى) هذه الطبقة وخلال فترة وجيزة مثلت دور السياسي والمفكر ورجل الدين والقاضي بل ان بعضهم مثل الدور العسكري واخذ يتدخل في الأمور العسكرية وحصل من خلال عملية (دمج الميليشيات المسلحة ) على رتبة ملازم أول او رائد او عقيد ، ومجموعة أخرى اغتنمت الفرصة لتدخل عالم منظمات المجتمع المدني وهو أمرٌ جديد في اوساطنا ولا زلنا حديثي عهد ولا نملك تلك التجربة ، هذه كلها تحديات دخلها هؤلاء الذين يتميزون عن الاخرين بقدرتهم على القيادة (حسب تصورهم وتصور بعض البسطاء البلهاء) وانقاذ المجتمع من وحل الانحراف والانحطاط إلا ان المتحري والمتتبع لحركة هؤلاء يجد طامة كبرى تمثلت من خلال سلوك هو لا يمثل في ذاته إلا تجارب شخصية تحمل في داخلها الكثير من العقد والصراعات الضيقة حتى انك لا تجد اثنين منهم يجتمعون في مكانٍ ما للعمل وتستمر الاواصر وكأنّ هناك حتمية للصراع فيما بينهم ولا تجدهم يقدموا شيئاً للمجتمع غير الحديث عن أمور هم ينتفعون من وراءها وما أجمل الحديث عن النساء والخمس ، ولا تجد ان لهم صلة بالدين ابداً إلا في اطار الافكار التي يحملونها ولا يفكروا حتى في مناقشتها ولا ادري لعل قناعتهم بعدم تماشي الكثير من الافكار التي يحملونها والشريعة هو السبب لهروبهم والله العالم ، وقد انتبه الكثير من المفكرين والعلماء لهذا الأمر ولم يكن المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي (رحمه الله) مجانباً للحقيقة عندما اطلق على بحث من بحوثه عنواناً استغربه الكثير (دين ضد الدين) وراح يتحدث عن بلعم بن باعوراء والسامري ومشركي مكة وبصراحة وعند اطلاعي على هذا البحث القيم تبادر لذهني موضوع المقارنة بسرعة البرق ، ولم يكن المفكرون او العلماء هم فقط من شخص هذا الداء بل نجد هذا الامر في العديد من الافلام التي عُرِضت من على شاشة التلفاز وفي الرواية العربية بل حتى في بعض الروايات الاجنبية المترجمة ، وقد كنت استنكر وبشدة لما يعرض في التلفاز والنصوص الادبية العربية لبشاعة ما ينقله الكاتب من صورة للرجل المعمم إلا ان التجربة والعيش بالقرب منهم جعلتني أغير قناعتي تماماً وأدركت انهم يتحدثون عن المبادئ والقيم أما تطبيقها فلا يخصهم لأنّ مصالحهم خطوط تماس لا يمكن اجتيازها ، ووصلت قناعتي حداً جعلني أقول ان الكثير من الكتّاب كانوا موضوعيين فيما كتبوا ، فعلى الرغم ان طه حسين أعطى صورة بشعة لسيدنا معلم القرآن في القرية ، وان القاص السوداني الطيب صالح وهو روائي مشهور قدم في روايته "عرس الزين" إمام المسجد رجلاً ملحاحاً ، متزمتاً ، كثير الكلام في رأي اهل البلد والذين كانوا في داخلهم يحتقرونه لأنه لا يعمل عملاً واضحاً في زعمهم ، وقد شاهدت فلماً عراقياً قديماً يصور رجلاً معمماً وكأنه فتاح فال دجال ، وعرضت احدى الفضائيات فلماً إيرانياً مدبلجاً للعربية يتحدث عن لص خطير سرق ملابس شيخ واخذ يختفي وراءها هرباً من البوليس ويقال ان هذا الفلم احدث ضجة في ايران عند عرضه في دور السينما ، وهناك صورة لا تقل بشاعة في الروايات الاجنبية المترجمة ، هذه الصورة البشعة انما رسمها المعممون قبل ان ينقلها الكتّاب في رواياتهم فبات الانتماء إلى الدين والمتدينيين لعنة بين الناس حتى اخذ الناس يسألون عن القوائم الانتخابية التي لا تضم معممين .
الآن وبعد هذه التجربة المريرة والتدخلات غير المقبولة لهؤلاء أصبح من الضروري الإطاحة بهم وعزلهم عن مختلف المؤسسات سواء منها التي تخص الدولة او وسائل الإعلام او منظمات المجتمع المدني ، ولا اخال ان الامر يحتاج لتبرير فهذه الطبقة لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية الضيقة ، بل ان هناك قدرة خارقة لتسخير كل الامكانات(العامة) من اجل مصلحة ضيقة تخصهم فقط ومن لا يتفق معهم فهو إما خارج عن (تصنيف الفيفا الديني) وفاجراً او فاسقاً أو لا يعرف التعامل مع الامور او قل بعبارة اخرى يضخم الامور البسيطة .
هذه امنية ودعوة في الطريق من اجل ابعاد هؤلاء عن مصدر القرار والتأثير في المجتمع حفاظاً على الدين ويكفينا الحال التي وصلنا إليها ، وان بقيت هذه (الشلة) فلن نتمكن ان نحافظ على هويتنا او اصالتنا وسوف تتشوه وتهتز صورة أولئك العظماء الذين صنعوا المجد في حياتهم والحياة في موتهم ، فلم يكن محسن الأمين او مطهري او محمد باقر الصدر (قدس) من المعممين بل كانوا رجال دين مصلحيين حقيقيين آثروا على انفسهم ولم يسخروا كل شيء من اجل مصلحة شخصية ضيقة بل قدموا كل ما يملكون من اجل ان نصل نحن إلى هذه المساحة من الحرية لنبني مؤسسات تعمل على تقديم صورة زاهية لفكر ناصع خدم البشرية ، لا ان نبني مؤسسات تعيش لخدمة الأحزاب والأشخاص ، ولازال لدينا المزيد من الوقت لنعيد الثقة للأجيال القادمة بدينها ولنكن قدوة حسنة كما صور القرآن ، فالناس تثق بالمعمم لأنها لا تميزه عن رجل الدين ، وهذه دعوى لكل المعممين ان لا يساهموا في خلق جيل يكره الانتماء والانتساب لدينه ويخجل من هويته .
وأخيراً اعلم جيداً ان هذه الأسطر ستثير الغبار عند الجعجعة وسوف اتُهم (حسب تصنيف الفيفا الديني) بالخروج من الملة والشريعة ، إلا اني كتبتها والسلام .

thair2099cd@yahoo.com

About This Blog

About This Blog

  © Blogger template 'Sunshine' by Ourblogtemplates.com | Distributed by Deluxe Templates 2008

Back to TOP