تقويم الأحزاب والسياسيين من 9/4/2003 إلى 31/01/2009


كتابات - عطاء منهل

بدأ عام 2009 وها نحن قد اقتربنا من نهايات شهره الأول، واقتربنا بالتالي من انتخابات مجالس المحافظات، والتي من الممكن أن تشكل ثمة انعطافة تكون مقدمة لانعطافة أهم وأكبر في الانتخابات النيابية نهاية هذا العام. من هنا يكون مع بدأ السنة التاسعة من ألفيتنا الثالثة، ومع الفراغ من الانتخابات المحلية، ومع قرب انتهاء السنة الخامسة من عهد ما بعد التغيير، مع كل هذا يكون قد بدأ العدّ التنازلي لموعد الانتخابات النيابية العامة. وتكون، بذلك لا أقول بدأت، بل احتدمت، ولا أقول المنافسة، بل المعركة الانتخابية. ولعل الثلاثين (أو الحادي والثلاثين) من كانون الأول 2009 سيمثل فرصة التغيير الثانية بعد التاسع من نيسان 2003، بمعنى فرصة إصلاح ما أفسدت الواحد وثمانين شهرا الماضية، أو ما يقارب الـ 2460 يوماã المنصرمة. ولكن الانتخابات التي ستسبقها والتي غدت وشيكة جدا، ألا هي انتخابات مجالس المحافظات يمكن أن تكون كما مر آنفا مقدمة مهمة لتحقيق الانعطافة المنشودة، مما جعلني أفكر أن لا بد لي من أن أطرح اليوم ما كنت أنوي طرحه قبيل الانتخابات العامة، والذي سأعيد طرح مضامينه عند ذاك ثانية في سياق مناسب في حينه.
فهذه أي انتخابات مجالس المحافظات مناسبة مهمة لإجراء مراجعة تقويمية للقوى السياسية والشخصيات السياسية التي لعبت دورا مؤثرا على مسار العملية السياسية منذ التغيير الأول حتى ما يمكن أن يكون بمثابة التغيير الثاني، أو الخطوة الأولى نحو الإصلاح السياسي.
والأحزاب التي سنمر عليها في التقويم والمراجعة والنقد أو أحيانا الإدانة هي:
1. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق/ فيلق بدر، لاحقا (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي/ منظمة بدر)
2. التيار الصدري/ جيش المهدي
3. حزب الدعوة الإسلامية
4. حزب الدعوة الإسلامية - تنظيم العراق
5. حزب الفضيلة الإسلامي
6. الحزب الإسلامي العراقي
7. الحزب الديمقراطي الكردستاني/ الاتحاد الوطني الكردستاني
8. تيار الإصلاح الوطني
9. أحزاب التيار الوطني الديمقراطي العلماني
أما الشخصيات المراد تسليط الضوء على أدائها سلبا أو إيجابا ومدى مسووليتها عما جرى فهي:
1. عبد العزيز الحكيم
2. عمار الحكيم
3. هادي العامري
4. إبراهيم الإشيگر (الجعفري)
5. طارق الهاشمي
6. نوري المالكي
7. جلال الطالباني
8. مسعود البرزاني
9. أياد علاوي
10. أحمد الچلبي
11. باقر صولاغ
12. جلال الدين الصغير
13. عبد الكريم العنزي
14. خضير الخزاعي
15. عبد الفلاح السوداني
16. موفق الربيعي
17. سامي العسكري
18. مثال الآلوسي
19. ضياء الشكرجي
20. مقتدى الصدر
21. علي السيستاني

والآن لنمر عليهم واحدا بعد الآخر:

1. عبد العزيز الحكيم:
رجل إيران الأول. رئيس أسوأ حزبين إسلاميين شيعيين (المجلس والتيار). كان نشاطه طوال الثلاثة وعشرين عاما في إيران بعيدا عن كل من السياسة وطلب العلم (النشاط الحوزوي)، بل كان دوره مقتصرا على كونه رجل الاطلاعات (المخابرات) الإيرانية الأول فيما يتعلق بالملف العراقي. استطاع أن يوظف مقتل أخيه محمد باقر الحكيم لصالح مشروعه، المتلخص بإعلان البيعة للسيستاني، لا إيمانا بل نفاقا، والتخلص من حرج الثنائية بين المرجعية الدينية والمرجعية السياسية؛ هذه الثنائية التي اعتمدها أخوه محمد باقر عبر طرحِه نفسَه مرجعا سياسيا، بينما تبقى المرجعية الدينية للسيستاني، على أمل أن تؤول بعده لمرجع من آل الحكيم ألا هو محمد سعيد، أو لأي مرجع من مراجع النجف. فاستفاد عبد العزيز من مقتل أخيه، فوحّد بين المرجعيتين، وأجاد ركوب موجة الولاء للمرجعية النجفية السيستانية، كنموذج عراقي لأطروحة ولاية الفقيه الإيرانية، ولكن ليس بعيدا عن خدمة الأجندة الإيرانية. أحد أكبر المتورطين في مسؤولية إزهاق أرواح العراق وسرقة ثروة العراق. ثم هو واحد من أولئك السياسيين (القادة) الذين يستنكفون من حضور جلسات مجلس النواب بصفتهم نوابا، ناهيك عن صفتهم كرؤساء قوائم أو كتل برلمانية، مما يستوجب من قبيل الأولى حضورهم، كما هم الحال في برلمانات الأنظمة الديمقراطية. وعلى أي حال فوضعه الصحي المتزايد سوءً سيسهم مع عوامل أخرى في جعل دوره وتأثيره يأخذ بالانحسار، ومن هنا فهو يهيئ نسخته السيئة ابنه عمار ليخلفه.

2. عمار الحكيم:
طفل أرعن نزق تافه، ذو ابتسامة صفراء، استطاع أن يكون مع أبيه أحد أكبر رؤساء مافيات سرقة ثروة العراق وتوظيفها لصالح المجلس الأعلى وسلطة آل الحكيم. هو الآخر وبالتنسيق مع أبيه استطاع الاستفادة من مقتل عمه محمد باقر ليستخدم اسمه ومقتله لمؤسسته (مافيا شهيد المحراب). واستطاع أن يستحق بجدارة لقب وريث أو شبيه عدي صدام حسين. يمارس دور رجل دولة أول، رغم أن ليس له أي منصب رسمي.

3. هادي العامري:
قاتل من دون أدنى شك. يعتبر حتى الإسلاميين المعتدلين ألد أعدائه، بل حتى غير المعتدلين ممن هم مخالفون له وللمجلس والأجندة الإيرانية، أما موقفه من العلمانيين فلو أوتي له لشرب من دمائهم. كان أحد أبرز خدمة إيران واطلاعاتها. ويكفي أنه رئيس فيلق بدر الذي غير اسمه إلى منظمة بدر المرتبط بجيش القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية الإيرانية، والذي كان الجناح العسكري للمجلس الأعلى، تماما كعلاقة جيش المهدي بالتيار الصدري، وهو أي هذا الفليق، فيلق بدر هو وحدة عسكرية كتانت تابعة للوحدات العسكرية للجيش الإيراني بشكل رسمي.

4. إبراهيم الإشيگر (الجعفري):
قبل كل شيء الرجل مريض بأمراض نفسية مستعصية، فهو غير سوي، ومغرم حتى الوله الجنوني بنفسه، ومؤمن بنفسه ومؤهلاته إيمانا مطلقا بكل ما يعنيه الإطلاق. يعتقد جازما أنه شخصية تاريخية استثنائية، ويحب أن يقارن نفسه بلنسن مانديلا وسعد زغلول بل وحتى بماهاتما ڠاندي. مصاب بمرض الإدمان على إلقاء المحاضرات بمناسبة وبغير مناسبة، حتى أنه إذا لم يزاول إدمانه هذا يمرض ويصبح في حالة تشبه الهيستيريا. لديه القدرة على أن يتناقض وعلى أن يتفنن في صياغة العبارات التي لا يفهمها أحد، ظانا أنه بذلك إنما يفحم مستمعيه. يكره كل من يرى فيه منافسا له. وهو مسؤول عن الكثير من الكوارث، كمسؤوليته عن تحويل الداخلية في عهده وعلى يد باقر صولاغ إلى وزارة للقتل والتعذيب الطائفيين، وكذلك مسؤوليته عن سرقات عبد العزيز الحكيم، وعن التصعيد الدموي للتيار الصدري وجيش المهدي. يكره المالكي والأديب وكل الشخصيات القيدية في حزبه السابق (الدعوة)، كما يكره جُلّ السياسيين كعلاوي والطالباني، وكان يحتقر معظم شخصيات حزب الدعوة ولم يمدح منهم إلا الأموات أو المعروفين بخدمتهم للأجندة الإيرانية. تنسيقه مع إيران معروف ودعم خامنئي له ولما يسمى بتياره الإصلاحي لا شك فيه. عطل العملية السياسية لثلاثة أشهر في ظرف سياسي حرج لا يتحمل مثل هذا التعطيل، إصرارا منه بالتمسك بالترشح لرئاسة الوزراء، وبعدما ركله الكرسي ادعى أنه هو الذي ركل الكرسي. أصعده الصدريون وأسقطه المجلس الأعلى، وتنازل بعدما جاءه الأمر الولائي من خامنئي وسيستاني. موتور ومأزوم بشكل مرضي. وهو أيضا واحد من أولئك السياسيين (القادة) الذين يستنكفون من حضور جلسات مجلس النواب بصفتهم نوابا، وكزعماء سياسيين، مما يستوجب من قبيل الأولى حضورهم الدائم.

5. طارق الهاشمي:
قد يبدو الرجل ذا خطاب عراقي وطني ومعتدل، ولكن يكفيه أنه زعيم واحد من أحزاب الإسلام السياسي، هذا أولا، وهو حزب سني، وبالنتيجة مكرس للطائفية السياسية ثانيا، إضافة إلى هذا الحزب غير مبرأ من أعمال القتل.

6. نوري المالكي:
الرجل قد يبدو هو الآخر ذا خطاب عراقي وطني ومعتدل نسبيا، ولكن يكفيه هو أيضا أنه زعيم واحد من أحزاب الإسلام السياسي، هذا أولا، وهو حزب شيعي، وبالنتيجة مكرس للطائفية السياسية ثانيا. ثم إنه كان محسوبا سابقا على جناح النسور في حزب الدعوة، إلا أنه أصبح أكثر واقعية ومرونة عندما أصبح رئيسا للوزراء، وكان الخيار الأفضل أو الأقل سوءً من بين الخيارات الثلاثة (المالكي، الجعفري، عبد المهدي). وقد حقق الرجل إنجازات كبيرة ومهمة في خدمة القضايا الوطنية، وهذا ما يجب إنصافا أن يسجل له، إلا أننا لا نملك أدلة على عدم مسؤوليته عن قضايا الفساد المالي والعنف، ولا ندري هل هو متستر على ذلك اضطرارا أو اختيارا، ولا نعرف ما إذا لم يكن متورطا بقضايا الفساد المالي بشكل مباشر أو غير مباشر. في كل الأحوال ومع بعض الإيجابيات التي تسجل لصالحه، فهو جزء من حالة التخندق الشيعي الإسلامي، وهو زعيم أحد الأحزاب التي تشارك في مسؤوليتها عن الكارثة السياسية بعد 2003، إلا إذا أعلن براءته من كل ذلك وحول حزبه إلى حزب علماني غير مؤطر بإطار مذهبي، أي نقاه من لوثتي الإسلام السياسي والطائفية السياسية وذلك بشكل حقيقي وليس على غرار ما فعله خصمه الحالي ورفيقه السابق الجعفري الذي يحاول خداع العراقيين بما أسماه كذبا بتيار الإصلاح الوطني. أو لا أقل إذا استطاع تخليص حزبه من إحدى اللوثتين، ولعل اللوثة الطائفية هي الأسوأ، ولو إنها إنما ولدت من رحم الإسلام السياسي. وفي كل الأحوال فلعل الإنصاف يوجب أن تُسجَّل للرجل الكثير من نقاط وطنية، ولكن هناك استيضاحات نترك للزمن إيضاحها.

7. جلال الطالباني:
كرئيس جمهورية لم يستطع أن يتحرر من صفته كزعيم كردي ليتحول إلى قائد عراقي، ولو إنه قد حقق بهذا الاتجاه خطوة متقدمة أكثر من رفيقه وخصمه البرزاني. وهو يتحمل مسؤولية تكريس مبدأ ولاية الفقيه وتمكين الأحزاب الإسلامية المتطرفة الشيعية والتسامح مع النفوذ الإيراني، إضافة إلى أن حزبه (الاتحاد) متهم كما هو الحزب الكردي الثاني بخروق حادة لحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، تصل إلى مستوى وجود زنزانات التعذيب لكلا الحزبين.

8. مسعود البرزاني:
ما قيل عن الطالباني يقال من قبيل الأولى عن البرزاني. فالديمقراطية غائبة في الإقليم الذي يرأسه ويتحمل مسؤولية سياساته. لكن البرزاني من غير شك أشد نهجا قوميا كرديا وأقل عراقية من الطالباني.

9. أياد علاوي:
كان الليبراليون يعولون عليه، وكانت لديه فرصة ليقوم بدور مهم في تجميع القوى الوطنية العلمانية الليبرالية، فهو ذو خطاب وطني وبعيد تماما عن التنخندقات الطائفية وله قنوات ممتازة على الدول العربية وكان مقبولا من الأمريكان، وكذلك خطابه المطمئن للبعثيين غير المتورطين بالجرائم، وموقفه الناقد من حل الجيش؛ كل هذا وغيره مما كان يمكن أن يوظفه لمصلحة المشروع الوطني العراقي، وهكذا وقوفه أمام الدور التخريبي الإيراني ومواجهته للإرهاب السني والشيعي على حد سواء، وهو مع كل هذا ذو خطاب واضح ومفهوم من قبل المواطن العادي، كل هذا كان يمثل مؤهلات كاد ينفرد بها علاوي، لكن روح التفرد بالقرار التي عرف بها، وعدم ممارسته للعمل الجماعي المُمَأسَس، وعدم تخلصه من خلفيته البعثية، كترحمه على مؤسس الحزب ميشيل عفلق، ضيع عليه وعلى المشروع الوطني العراقي فرصة حقيقية. وهو الآخر واحد من أولئك السياسيين (القادة) الذين يستنكفون من حضور جلسات مجلس النواب بصفتهم نوابا، ناهيك عن صفتهم كرؤساء قوائم برلمانية.

10. أحمد الچلبي:
لا لون ولا طعم ولا رائحة له. المفترض به أنه علماني ليبرالي، وإذا به يركب موجة الطائفية السياسية، ويترشح على قائمة الائتلاف المدعومة من المرجعية، ويتنافس مع الجعفري للترشح عن قائمة الائتلاف الإسلامية الشيعية لرئاسة الوزراء، هذا الترشح الذي كان مشروطا من قبل القائمة بالولاء للمرجعية والالتزام بأوامرها، كما وإذا به – وهو المتفرضة علمانيته وليبراليته - يؤسس البيت الشيعي ثم المجلس السياسي الشيعي ويزايد في الولاء للمرجعية.

11. باقر صولاغ:
قاتل وسارق. مارس القتل والتعذيب الطائفيين كوزير داخلية في حكومة الجعفري، وهو واحد من رجالات إيران في العهد الجديد.

12. جلال الدين الصغير:
قاتل موتور مأزوم. جعل من من مسجد براثا منبرا لتعبئة الطائفية، وانطلقت فرق الموت من مسجده بعد تفجير قبة العسكريين لتمارس القتل الطائفي ضد الأبرياء السنة، أيضا من أزلام النظام الإيراني شأنه شأن كل المجلسيين والبدريين.

13. عبد الكريم العنزي:
تافه ومن كبار اللصوص والمزورين، ومتطرف إسلاميا ومتخلف فكريا.

14. خضير الخزاعي:
لا يختلف عن رفيقه الحزبي العنزي في تطرفه الأصولي وتخلفه الفكري.

15. عبد الفلاح السوداني:
أيضا من الجماعة حزب الدعوة تنظيم العراق، وهو النسخة المتخلفة تخلفا رهيبا من حزب الدعوة بزعامة المالكي.

16. موفق الربيعي:
شخصية تافهة رخيصة ومتملقة إلى درجة تجعله لا يستحق أدنى احترام، لا يملك فكرا ولا ثقافة، وهو الآن من كبار اللصوص ويترأس مافيا للسرقات مدعوما من قبل الأمريكان. وذو حس شيعي طائفي مقيت ومتخلف.

17. سامي العسكري:
تحول من إسلامي معتدل كان قد ترك حزب الدعوة بسبب اعتداله وانفتاحه السياسي، لكنه تحول إلى صاحب مشروع طائفي، وراكب للموجات المختلفة ومغازل تارة للتيار الصدري وأخرى لحزب الدعوة الذي عاد له كما يبدو. كان وما زال لصيقا بصديقه التافه موفق الربيعي. لا يؤمن مطلقا بالمرجعية لكنه يدعي الولاء المغالي والمطلق لها نفاقا وانتهازية.

18. مثال الآلوسي:
هناك كلام عن وضعه قبل السقوط. لكن الرجل تميز من 2003 بخطاب وطني عراقي شجاع، ووقف بلسان لاذع ضد متطرفي السنة ومتطرفي الشيعة على حد سواء، وأدان إيران كما أدان سوريا، لم يجامل ولم يهادن ولم يساوم. لكن مشكلته كمشكلة معظم السياسيين، يبدو متفردا في قراراته، بحيث قام بسفره الأخير إلى إسرائيل، ظانا أن الأمر سيمرر كما حصل في زيارته الأولى، غير مدرك أن الإسلاميين الشيعة إنما غضوا النظر عن تلك الزيارة لأنهم كانوا يحتاجونه لسانا سنيا شجاعا سليطا ضد أعدائهم الإرهابيين والطائفيين السنة، بينما هذه المرة ما كان لهم أن يغضوا النظر عن ذلك، وقد أصبح الآلوسي شوكة في عين ولية أمرهم إيران، وأصبح لسانه الناقد سيفا بتارا مسلطا على أجندة جمهوريتهم الإسلامية المباركة كما كانوا يسمونها. تبقى طروحات الرجل وطنية، ولكن أصبح الليبراليون محرجين في العمل معه، دون أن يعني ذلك أنه من الممكن أن يتجاوز هذه الأزمة، ويعيد تأهيل نفسه لدور مقبل.

19. ضياء الشكرجي:
رغم خلفيته الإسلامية استطاع الرجل كما يبدو أن ينتزع نفسه من تلك الخلفية ويعلن بشجاعة انفصاله السياسي بل والفكري كليا عن خلفيته الإسلامية تلك، وعرف بطرح مشروع وطني لتوحيد القوى الديمقراطية العلمانية، وعرف بعزوفه عن فرص تبوؤ مناصب متقدمة في الدولة والحزب الذي كان ينتمي إليه، ولكننا قد لا نستطيع بعد أن نحكم له أو عليه، أي ما إذا كان ذلك العزوف إيثارا حقيقيا يحترم من أجله، أو ما إذا كان سوء تقدير في استثمار الفرص، قد يكون مؤشرا على عدم حنكته السياسية. لا أحد ممن يعرفه يشكك في صدق تحولاته الفكرية والسياسية، ولكن لعله لم يُجرَّب بعد في كفاءته، لأننا نعلم أن السياسي الجيد لا يكفي أن يكون صادقا ومخلصا، بل لا بد له من حنكة وحكمة سياسيتين دون أن تخرجاه عن الصدق، ولا بد له إذا أراد أن يلعب دورا قياديا ألا يكون مثاليا في ديمقراطيته، بل لا بد أن يكون إلى جانب ذلك حازما، مما يرى القريبون من الشكرجي أنه لا يتحلى به بالقدر المطلوب في الإنسان القيادي، ثم عودته إلى منفاه السابق ألمانيا منذ أكثر من سنتين، هل هو لأنه لم يحصل على منصب ما، أم لأنه كان فعلا مهددا كما يقول المقربون منه، أنه سبب بقائه خارج العراق، فنحن لا نحتاج فقط إلى خطاب وطني معتدل ومقبول، كما لا نحتاج فقط إلى شخصيات صادقة في مبادئها، بل نحتاج إلى من هم في الميدان، ومن هم يتقنون قواعد اللعبة السياسية، دون التخلي عن مبادئهم.

20. مقتدى الصدر:
مجنون جاهل متطرف متخلف دموي، ومن أكثر من يتحملون مسؤولية كوارث ما بعد نيسان 2003، والتي استهلها بجريمة القتل الوحشي لعبد المجيد الخوئي، وهو صاحب ميليشيات ما يسمى بجيش المهدي ذات الدور الدموي والتي أشاعت الرعب ومارست القتل الطائفي على الهوية، وأصبح في خدمة الأجندة الإيرانية رغم الكراهة الشديدة بين الإيرانيين وأبيه محمد الصدر، وكذلك رغم رعاية الإيرانيين لنده اللدود المجلس الأعلى الذي اعتبره الصدريون شريكا لصدام في قتل محمد الصدر، الذي كتبت عنه مجلة المجلس الأعلى وبقلم المأزوم المتخلف المتطرف صدر الدين القبانجي إمام جمعة المجلس في النجف، بأنه فقيه النظام. على أي حال يبدو أن نجم مقتدى قد أفل، ولا فرصة لبزوغه ثانية، وهذا ما يحسب للمالكي وربما للأمريكان.

21. علي السيستاني:
إنه يتحمل بشكل أساس مسؤولية أهم وأكبر ما مر بالعراق من كوارث، مهما جرى من محاولات ودعاوى من أجل تبرئته. فهو المسؤول الأول عن تسييس الدين وتقوية الأحزاب الإسلامية الشيعية ودعمها معنويا وفتوائيا. فهو الذي رعى من دون أي شك قائمة الائتلاف الشيعية في الدورة الأولى الانتقالية، ثم رعاها مرة ثانية وبعدما شهد كل سيئاتها محددا للناخب المتدين والملتزم دينيا برأي المرجعية مواصفات القائمة التي عليه أن ينتخبها ليكون انتخابه مبرئا لذمته بين يدي الله، فكانت الشروط والمواصفات لا تنطبق إلا على قائمة الائتلاف، ولم يكتف بذلك، بل راح وبخلاف الحقيقة يدعي عن طريق مكتبه أنه لم يدعم أية قائمة، ومجانبة الحقيقة والواقع عن علم وسبق الإصرار له نعت خاص لا يليق بموقع المرجعية، لأن التنزه عنه من أول شروط التقوى، أو من أول شروط العدالة بمعناها الفقهي، والذي بدونه لا يكون المجتهد مرجعا، ولا يكون تقليده مبرئا للذمة، هذا الشرط الذي تتشدد نظرية ولاية الفقيه فيه أكثر بكثير من تشدد نظرية التقليد في مرجع التقليد. وهكذا سمح لنفسه أن يكون صاحب القرار في أكثر من قضية مفصلية مصيرية، وهو يعلم أن هذه الولاية السياسية التي مارسها مخالفة للدستور، لأنها لا تقف على أرضية دستورية. ثم إنه يحمل الجنسية الإيرانية لا كجنسية ثانية على أساس ازدواجية الجنسية التي أقرها الدستور العراقي، بل يحمل الجنسية الإيرانية حصرا دون الجنسية العراقية. وهنا أحب أن أبين أني شخصيا لا أعتبر كون المواطن العراقي إيراني الجذور أو فارسي القومية أو اللغة مانعا بالضرورة عن كون ذلك المواطن ذا حس وطني عراقي وشعور بالانتماء إلى العراق، ولكننا إذا التزمنا بالدستور بقطع النظر عن مدى تصحيحنا لهذه المادة، علمنا أن من يتبوأ موقعا متقدما في الدولة (رئيس جمهورية، رئيس وزراء، وزير ...) فيجب أولا أن يكون عراقيا بالمعنى الذي يحدده الدستور، وثانيا ألا يحمل جنسية ثانية غير العراقية، بحيث يسمح له بتبوؤ ذلك المنصب بشرط تنازله عن جنسيته الثانية. ونعلم أن موقع الولي الفقيه، أو المرجع ذي الولاية العامة، هذا الموقع الذي مارسه السيستاني عمليا، هو أعلى موقع في هرم المسؤولية في الدولة، علاوة على أن قبوله بممارسته هذا الدور يعتبر مخالفة دستورية ثانية كما بينا سلفا، إذ هو ممارسة لمنصب غير مثبت في الدستور، ويكون بمثابة التعامل مع العراق على أنه دولة ولاية فقيه، بينما الدستور ينص في المادة الأولى على أن «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي»، وليس نظاما إسلاميا قائما على أساس ولاية الفقيه. ثم إن السيستاني عندما دعم قائمة إسلامية أصولية وشيعية طائفية، على فرض أنه لم يكن يعلم بمساوئها، فخوف الله للإنسان المتقي ووعيه بأنه موقَف يوم القيامة ومسؤول ومحاسَب، كما إن الحس الوطني، باعتباره تحرك أيضا بصفته حريصا على العراق، يحتمان عليه بعد اكتشافه أن الذين مكنهم من السلطة بدعمه قد مارسوا مفارقات شرعية، أقلها الكذب، وأقصاها القتل والتعذيب، وبين المفارقتين مفارقة سرقة المال العام، هنا كان محتما عليه أن يعتذر للشعب العراقي أولا، وأن يستغفر الله ثانيا، وأن يفضح اللصوص والقتلة الذين مكنهم من السلطة ثالثا، ثم أن يعلن تخليه عن موقع المرجعية رابعا. صحيح إن مرجعية السيستاني قد اتخذت من انتخابات مجالس المحافظات موقفا أكثر واقعية، إذ أعلنت عن وقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وشدد في نفس الوقت في بيانها على أن يختار الناخب بعد الفحص والتدقيق من يكون مؤهلا لعضوية مجلس المحافظة ممن يلتزم بثوابت الشعب العراقي ويسعى في تحقيق مصالحه ويتصف بالكفاءة والنزاهة والإخلاص لخدمة الشعب، فلا نجد ما يشير إلى شرط الالتزام بالإسلام، فلم ترد كلمة التقوى كصفة للمرشح وتحدثت عن ثوابت الشعب العراقي، ولم تتكلم عن الالتزام بعقيدة غالبية الشعب العراقي أي الإسلام، وهذا يبين لنا أن المرجعية قد تعلمت من السنوات الخمس الماضيات أن تضفي على خطابها ثمة نكهة علمانية، لأنها فهمت أنها نكهة العصر المستساغة، والتي سيستسيغها الشعب العراقي يوما بعد يوم أكثر فأكثر، وسينفر يوما بعد أكثر فأكثر من نكهة تسييس الدين وتسييس المذهب. ولكن مرجعية السيستاني هذه لم تكن من الشجاعة الكافية لممارسة النقد الذاتي في الاعتراف بخطئها في المرتين السابقتنين والاعتذار للشعب العراقي عن هذا الخطأ الذي سبب كوارث وفضائع يستحق الشعب العراقي أن يعتذر له منها. ولكن تعودنا في أجواء المرجعيات والحوزرات الدينية أنه إذا وضعت الشأنية في كفة ميزان، ووضعت التقوى في الثانية، فسترجح كما رجحت دائما كفة الشأنية، والشأنية هو تعبير عما يليق وما لا يليق بشأن مقام المرجعية وشخص المرجع الأعلى.

أما الأحزاب فقد ذكرنا دورها ضمنا في سياق ذكر قادتها، ولكن لنمر عليها وإضافة ما يجدر إضافته:

1. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق/ فيلق بدر:
إنهما أي المجلس الأعلى للثورة الإيرانية وفيلق بدر من غير شك وكما هو معروف لدى جميع المطلعين إيرانيا التأسيس والولاء والأجندة، ومن أشد القوى الإسلامية تطرفا مع التيار الصدري، وكانوا مغالين في ولاية الفقيه الإيرانية إلى ما قبل 2003، وأصبحوا مغالين في ولاية المرجعية النجفية السيستانية بعد 2003، وهما من أكثر الإسلاميين الشيعة تطرفا في تسييس الدين وتسييس المرجعية وتسييس الشعائر الدينية الشيعية وتسييس التشيع، ويتحملون المسؤولية الرئيسة في صياغة دستور ذي صبغة إسلامية وصبغة شيعية، ومسؤولون عن أعمال العنف والقتل والتعذيب، والقتل الطائفي على الهوية، ومن أكثر من مارس الفساد المالي وسرقة المال العام وثروة الوطن.

2. التيار الصدري/ جيش المهدي:
تطرف التيار وتخلفه واضح للجميع ومارس أبشع الجرائم وتسبب في أفضع الكوارث، تأسس خلاف المجلس الأعلى عراقيا وكانت العلاقة بينه وبين المجلس علاقة عداء، كما هو معروف بعدائه لمرجعية السيستاني ولكل المرجعيات غير المتسيِّسة أو غير القائلة بوجوب صلاة الجمعة أو التي لم تقف مع محمد الصدر مؤسس التيار ووالد زعيمه الحالي. كما تحالف التيار مع ما سُمِّي بالمقاومة من قوى الطائفية السنية والبعثية.

3. حزب الدعوة الإسلامية:
من أقل الأحزاب الإسلامية تطرفا وأقربها إلى الاعتدال، إلا أنه لا يخلو من وجود شخصيات أصولية محافظة في صفوفه ما زالت تحمل عقلية مرحلة التأسيس. والحزب رغم اعتداله النسبي، وأؤكد النسبي، كان مشاركا في تحمل مسؤولية تشكيل قائمة الائتلاف الأصولية الطائفية وتسييس المرجعية والتسامح في ممارسة ولاية الفقيه بمخالفة دستورية صارخة، رغم عدم قناعة 90% من أعضائه لا بولاية الفقيه ولا بدور ذوي العمائم في الشأن السياسي. ثم إن الحزب لم يستطع أن ينفصل كليا عن حزب الدعوة المنشق عنه قبل السقوط المنعوت بحزب الدعوة تنظيم العراق، رغم علم حزب الدعوة بالتطرف والتخلف الشديدين لهذا الحزب المنشق، ورغم تورط قادته بشكل فاضح بأعمال السرقة. ولكن من النقاط التي تسجل لصالح حزب الدعوة أنه لا يمتلك ميليشيا حزبية، ثم استطاع ولو في وقت متأخر أن يتقاطع مع المجلس في أكثر من قضية، مما زاد من حنق المجلسيين على الحزب وعلى المالكي بالذات، فقد تقاطعا بشكل حاد في قضية استخدام الرموز الدينية، وتقاطعا في اعتماد القائمة المفتوحة التي كان المجلس يعارضها ويصر على اعتماد القائمة المغلقة، وتقاطعا في قضية إقليم الجنوب الشيعي الكبير ذي التسع محافظات (دعوة عبد العزيز الحكيم)، وتقاطعا في المبالغة بالشعائر وتسييسها.

4. حزب الدعوة الإسلامية - تنظيم العراق:
حزب انشق عن حزب الدعوة قبل 2003 وهناك مؤشرات كثيرة على وقوف إيران وراء هذا الانشقاق، ويكفي أن رموزه الذين ذكرناهم من أسوا القادة الإسلاميين تطرفا وتخلفا وبعدا عن النزاهة. ومن سوءات حزب الدعوة الأصل أعلاه أي الدعوة بقيادة المالكي هو مواصلة التزامه للحزب المنشق هذا للمتخلفين المتطرفين العنزي والخزاعي.

5. حزب الفضيلة الإسلامي:
قد يكون هذا الحزب أكثر عراقية من أحزاب إسلامية أخرى، وقد يكون أقل تطرفا، لكنه امتداد للتيار الصدري الأصلي المؤسَّس على يد المرجع الأصولي المتطرف محمد الصدر، ولو إنه يمثل الجناح الأقل تطرفا من عموم التيار الصدري، ثم هو حزب يمارس على المستوى الحزبي مبدأ ولاية الفقيه، بعنوان المرجع الأعلى للحزب، والحزب متورط بأعمال العنف والقتل والفساد المالي.

6. الحزب الإسلامي العراقي:
يبدو الحزب معتدلا نسبيا، إلا أنه من أحزاب الإسلام السياسي، وهو حزب سني، أي ممن يتحمل مسؤولية التأصيل للطائفية السياسية، ثم إنه كان من القوى السياسية التي وقفت موقفا مناهضا للعملية السياسية، وإن كان قد تدارك موقفه، وربما كان موقفه في البداية خاضعا للموقف العاطفي الشعبي لأوساط العرب السنة. ثم إن الحزب معروف بامتلاكه ميليشيات تمارس العنف والقتل.

7. الحزب الديمقراطي الكردستاني/ الاتحاد الوطني الكردستاني:
الحزبان رغم أنهما حزبان علمانيان، وكانت الأحزاب الوطنية الديمقراطية حليفة لهما في النضال من أجل القضية الكردية، إلا أنهما ابتعدا كليا في أدائهما عن روح الديمقراطية، ولم يحترما حرية الرأي والتعبير في كردستان، ومارسا تذويب هويات المكونات العرقية والدينية الصغيرة في كردستان، واستغرقا في البعد القومي الكردي، وتورطا في الفساد الإداري والمالي، ومكنا قوى الإسلام السياسي والطائفية السياسية الشيعية، وتسامحا مع الدور الإيراني التخريبي، وذلك خوفا منهما من أن تتحول إيران إلى موقف تآمري ضدهما وضد القضية الكردية وضد تجربتهما في إقليم كردستان، ذلك بالتحالف مع كل من تركيا وسوريا، من أجل تشكيل طوق خانق حول أكراد العراق وحول تجربتهم الفيدرالية الفتية. ولا يخفي الحزبان – خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني منهما – نوايا الانفصال، وتعاملا في الإقليم وفي علاقته مع بقية العراق وعلاقته مع الدول الأجنبية وكأنه دولة مستقلة أكثر من كونه إقليما في دولة فيدرالية، ووقعا في ازدواجية أن رفعوا مستوى مشاركتهم في السياسة الاتحادية إلى السقف الأعلى، بل إلى أعلى مما يسمح به الواقع، بينما خفضوا سقف تدخل الدولة الاتحادية في الشأن الإقليمي الكردستاني إلى السقف الأدنى، بل إلى دون ما تسمح به حقيقة أن العراق دولة واحدة اتحادية.

8. تيار الإصلاح الوطني:
تيار الجعفري/الإشيگر تيار لا يستحق أن يذكر بشيء، إلا أنه تيار ولائم الفسنجون والمحاضرات الجعفرية الطلسمية. مدعوم إيرانيا، معوِّل على أصوات الصدريين، متظاهر نفاقا بالليبرالية.

9. أحزاب التيار الوطني الديمقراطي العلماني.
هي الأحزاب التي لم تتورط بالعنف ولم تتلوث بالفساد المالي والإداري ولم تقترب من ممارسات الطائفية السياسية، وبقيت على النحو العام وفية للمبادئ الوطنية والديمقراطية والعلمانية. لكن بعضها لم ينج من أمراض الساحة السياسية، وإن كانت هناك مؤشرات إيجابية مشجعة على أنها ستبلور مشروعا وطنيا حقيقيا، لكن إذا لم تتحل قياداتها بالقدر الكافي من الإيثار على المستوى الشخصي، وإذا لم تتحل هذه الأحزاب بالقدر الكافي من الإيثار على المستوى الحزبي، فستتحمل لا قدر الله مسؤوليتها في تضييع فرصة تاريخية جديدة. ولكن يبدو أن هناك حراكا في الاتجاه الصحيح لتنضيج المشروع الوطني الديمقراطي وتقديمه كبديل حقيقي سيستطيع أن يحقق في الانتخابات البرلمانية العامة المقبلة خطوة مهمة نحو الإصلاح، الذي لن ينجز بطبيعة الحال ضمن الدورة الانتخابية المقبلة، فلعله سيحتاج إلى دورتين انتخابيتين أو ربما ثلاث دورات.

ã إذا كانت الانتخابات ستجري في 30/12 فتكون عدد الأيام من 9/4/2003 حتى يوم الانتخابات 2457 يوما، وإذا جرت في 31/12/2008 فتكون 2458 يوما.

About This Blog

About This Blog

  © Blogger template 'Sunshine' by Ourblogtemplates.com | Distributed by Deluxe Templates 2008

Back to TOP