الأبيض الشاعري

اصدقاء القصة السورية-حبيب محمود
كان الشاعر العربيّ القديم يجد في بياض شعر لحيته أو مفرقه شيئاً من الإلهام. وحيثما وُجد شَعرٌ أبيض وُجد شِعرٌ جميل. وليس هذا فحسب؛ بل إن بعضهم يحتجّ على من تعيّره "بالشيب" الذي لا يمنع المراح. ولا فرق بين أن يبيضّ مفرق أو قذال أو لمّة..!
القصيدة تُولد من الإحساس بالفقد، أو من الإحساس برغبة العودة. وفقد الشباب والرغبة في عودته طالما ألهما أسلافنا ومنحا بياناً جميلاً وتعليلات أجمل. ولذلك كثر شعر "التصابي" لدى الفحول من أسلافنا؛ كجزء من التعبير عن حبّ الحياة والتعبير عن رفض شيخوخة الروح والقلب.
ويبدو أن الشاعر المعاصر فقد إحساسه بالتصابي الجميل؛ فلجأ إلى ما هو أبعد من الصبا والشباب. الشاعر المعاصر يعود طفلاً يلعب برمل الكلمات، ويتمايع حدّ الشعور باليتم والغربة كلّما وجد متسعاً في قلب أنثى، أو بحث عن متسع في قلبها. على عكس سلفه الذي كان يحاول التباهي والمبازاة بفحولته وجسارته وقوته.. وبسائر ما في مفاخر الرجولة العربية.
ويبدو أن المدنية قد فعلت فعلها في نفسية الشاعر العربي الحديث، وفرضت زحامها وضجيجها على واقعه، وسرقت منه إحساس الفارس. سقط النديم من قاموس الشاعر العربي وحلّ النادل محله..! وانقرضت القبيلة وخلفتها الصعلكة المشروعة. واللحية العربية المصبوغة بالأسود لم تعد تحذر من البياض.. لأن أمواس الحلاقة لا تعطيها فرصة لتنبت!. شاعرية الشيب انقرضت.. نحن في زمن شاعرية الطفولة.

About This Blog

About This Blog

  © Blogger template 'Sunshine' by Ourblogtemplates.com | Distributed by Deluxe Templates 2008

Back to TOP