التوبة القطرية .. ومأزق الاسلام السياسي


ملايين العرب شاهدوا واستمعوا الى الشيخ خليفة بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها أمس وهو يعلن عن توبته عن دعوة ايران او حماس الى مؤتمر القمة، قائلا "خلاص توبة توبة لن ندعو ايران ولن ندعو حماس" وجاء ذلك بمثابة ما يشبه الاعتذار عن الخطأ الكبير الذي ارتكبته قطر وقبلها سوريا عندما دعتا الرئيس الايراني لحضور قمة دمشق ثم قمة غزة في الدوحة، تلك الدعوة التي رأى بها البعض محقا انها تشكل اختراقا ايرانيا للأمن القومي العربي.
ومن لم يسعفه حظه مشاهدة الشيخ خليفة بن جاسم اثناء المؤتمر الصحفي والذي شاركه به عمرو موسى امين عام الجامعة العربية فان قناة العربية لم تفوت الفرصة فقد كررت المشهد عشرات المرات، مرة كل 15 دقيقة على الاقل خلال ليلة الامس بطولها.
واذا اضفنا الى هذا المشهد مشهدا اخرا هو انخفاض مستوى التمثيل المصري في القمة حيث اعلن وزير خارجية مصر احمد ابو الغيط ان الرئيس حسني مبارك لن يحضر القمة، وان وفد مصر سوف يتراسه وزير الشؤون القانونية والبرلمانية مفيد شهاب، مما يعكس درجة الغضب المصري، وعدم الرضى عن السلوك القطري الذي حاول لفترة من الزمن ان يستقوي بايران لفرض حضور مؤثر في المشهد السياسي العربي، بالتحالف مع سوريا ليشكلا سويا ما سمي بمحور دول "الممانعة " في وجه ما سمي بدول "الاعتدال".
وكان الاخ زهير قد علق على مقال امس الاول بقوله ان التصدي للاسلام السياسي لا يمكن ان يقوم به الا الانظمة الحاكمة بما لديها من قدرات، وقال ان هذا شبه مستحيل، وفي ردي على تعليقه اشرت الى ان الانظمة الحاكمة بدأت تستشعر خطر حركات الاسلام السياسي، واضيف هنا خصوصا بعد ان تمكنت ايران من التوغل الى اعماق الكثير من الحركات الاسلامية، وفرضت نفوذها عبر المال السياسي.
وها هي الاحداث تأتي لتؤكد ما اشرنا اليه امس الاول، فاعلان التوبة القطرية يعني ان هناك اجماعا عربيا على رفض النفوذ المتمادي لطهران ممتطية بعض حركات الاسلام السياسي وخصوصا حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني.
ويعزز هذه الرؤية التكرار المتواصل لقناة العربية وهي قناة سعودية وتعكس وجهة نظر الحكومة السعودية مما يدلل على سعادة الحكومة السعودية بهذه التوبة، وتحمل ايضا نوعا من التاكيد على صحة وصوابية الموقف السعودي والمصري اللذان تصديا بقوة للنفوذ الايراني وحلفائها في المنطقة من حركات الاسلام السياسي وعلى وجه الخصوص حركة حماس وحزب الله ، ومن المؤكد ان ذلك يطول حركة الجهاد الاسلامية التي تعتبر في طليعة القوى السياسية الاسلامية التي تستخدمها ايران للنفاذ والتغلغل الى صفوف الشعب الفلسطيني.
كما في هذا الموقف ايضا اقرارا قطريا بضرورة تهميش الدور الايراني المتعاظم سواء في العراق او فلسطين او لبنان وكذلك في مصر نفسها وفي كافة دول المغرب العربي، وفي الخليج ايضا الذي خيمت عليه اجواء الحذر والخوف من النوايا الايرانية وخصوصا تجاه البحرين، والكويت، وللسعودية ذاتها حيث بدأت بعض القوى الشيعية السعودية في المنطقة الشرقية القيام ببعض التحركات الاحتجاجية، فيما الصلف الايراني ما زال ماثلا في احتلاله للجزر العربية الاماراتية.
وبالطبع لا ننسى اليمن حيث سلحت ايران بعض القوى الشيعية التي لم توانى عن رفع السلاح بوجه السلطة الشرعية بما يشبه حرب العصابات.
هذه الصورة التي قد يرى فيها بعض العوام انتصارا لها في وجه من تعتبرهم الطغاة من الحكام العرب، وتعتبر ايران حليفا رئيسيا لحركات الاسلام السياسي في مواجهته للانظمة الحاكمة، وفي مواجهة امريكا واسرائيل، رأى فيها الحكام اختراقا للأمن القومي العربي، بل اختراقا لأمن كل دولة على حده.
ومن المؤكد انه بالتصدي للنفوذ الفارسي الديني ذو الطابع الطائفي البشع وخصوصا في العراق ولبنان وفيهما احزاب تخضع لمفهوم ولاية الفقيه وهذا الفقيه فارسيا يقبع في مدينة قم الايرانية، وكذلك في فلسطين حيث حركة حماس وارتباطاتها العميقة بطهران وكذلك بعض المنتمين لحركة الجهاد الاسلامي الذين تشيعوا واصبحوا جواسيس وعملاء ورأس حربة لجهود طهران الرامية الى تشييع العالم الاسلامي لاسباب سياسية قومية واطماع امبر اطورية ليس لها علاقة بالدين، من المؤكد ان التصدي لهذه الاطماع يعني بالضرورة التصدي لحركات الاسلام السياسي.
فاحزاب القتل والتفجير والعمليات الانتحارية وتصفية المعارضين للنفوذ الايراني في جنوب العراق لم يكن ان تكون لها هذه السطوة في القتل والتدمير والتهريب لولا النفوذ الايراني.

وحزب الله اللبناني لم يكن له ليكون بهذه الدرجة من البلطجة والغرور لولا الدعم الايراني، وما كان يمكنه ان يجروء على استدراج العدو الصهيوني ليدمر لبنان في حرب عدوانية همجية لولا الدعم العسكري والسياسي والمالي الايراني، وما كان يمكنه ان يحتل بيروت ويفرض على القوى السياسية الاخرى شروطه لولا الدعم الايراني.
وكذلك الامر بالنسبة لحركة حماس، فلم يكن لها ان تتمرد على السلطة الشرعية وتقوم بانقلابها في غزة، وتتعامل مع القطاع باعتباره امارة اسلامية مستقلة لولا الدعم الايراني، حيث اغدقت طهران على حماس ملايين الدولارات، الى جانب الدعم المالي والسياسي من حلفائها في دول الممانعة (سوريا وقطر).
وعلى ارضية الدعم المالي الايراني والقطري، واستنادا الى الدعم السياسي من الدولتين بالاضافة الى سوريا تصور خالد مشعل نفسه المهدي المنتظر وزعيم الامة التي طال انتظارها للمخلص، فانبرى متبجحا متطاولا على الثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها شرعية منظمة التحرير الفلسطينية.
ولم يكن ممكنا لمندوب ايران الفلسطيني في لبنان اسامة حمدان ان يتبجح بكل ذاك الغرور وهو يتحدث عن شروط حماس لوقف اطلاق النار في غزة او شروط المصالحة الفلسطينية لولا الدعم الايراني وحماية اداته في لبنان حزب الله. وكذلك الامر مع أداة ايران المباشرة في فلسطين رمضان شلخ زعيم حركة الجهاد ومعه زعيم القيادة العامة احمد جبريل الذي حول اتجاه التسول من ليبيا الى ايران.

كما ان قطر ذاتها قدمت لحزب الله وحركة حماس دعما ماليا هائلا الى جانب الدعم السياسي والمعنوي، والاعلامي عبر قناة الجزيرة التي يديرها احد الناطقين الاعلاميين السريين لحركة حماس.
اذن فان توبة قطر لها مدلولات سياسية عميقة تشير بوضوح الى اقرارها بضرورة تغيير مواقفها المتعلقة بايران وتلك الداعمة لحركة حماس على وجه الخصوص وحركات الاسلام السياسي عموما، والتزامها بما ينسجم مع التوجه العربي العام، حيث تتصدى معظم الدول العربية لحركات الاسلام السياسي وتتخذ الكثير من الاجراءات لاضعاف نفوذها، كما يحصل بالاردن ومصر والمغرب وتونس والجزائر حيث تمكن الجيش الجزائري كما قال الاخ مختار من تدمير البنية التحتية للارهاب الاسلاموي، وكما حصل مؤخرا بالكويت حين حل اميرها مجلس الامة غي سياق مواجهة رعونة تيار الاسلام السياسي الذي استغل المنبر الديمقراطي ممثلا بمجلس الامة.

اذن فان اعلان التوبة القطرية يعني في ما يعنيه ان هناك توجها عربيا رسميا عاما خضعت له قطر لتقليص نفوذ حماس في الشارع الفلسطيني على وجه الخصوص وحركات الاسلام عموما، وهو مؤشر قوي على ان تلك الحركات امام مأزق كبير ينتظرها حين تكون امام خيارين اما الخيار السلمي العربي او خيار العبث الدموي الايراني .
كما يعني بصورة غير مباشرة خصوصا مع التحركات المتبادلة بين دمشق والرياض والتحرك الامريكي الاوروبي تجاه دمشق ان النظام السوري هو الاخر اعلن التوبة بشكل سري او على وشك .

واعتقد انه ستكون هناك نتائج مباشرة للتوبة القطرية العلنية والتوبة السورية السرية في مقدمتها حلحلة مواقف حماس الخاصة بالمصالحة الوطنية، واتصور ان اختراقات كبيرة سوف تتحقق في الحوارات المقبلة بالقاهرة بين الفرقاء الفلسطينيين.
كما اتصور ان حركة الاخوان المسلمين على وجه الخصوص وفي القلب منها الجماعة المصرية سوف ترفع من درجة استخدام "مبدأ التقية" أي النفاق والكذب وتحني راسها للعاصفة المقبلة، وهذا السلوك الكاذب للجماعة لن يكون الاول ولا الاخير، فلدى جماعة الاخوان خبرة طويلة في استخدام اسلوب احناء الجسم كله للعاصفة ولدى الجماعة بالاردن على وجه الخصوص خبرة واسعة في هذا المجال، من المؤكد انها ومعها الجماعة الام في مصر قد دربوا اخوانهم بحماس عليها.
الامر الذي يتطلب لفت نظر الفصائل الوطنية والديمقراطية الفلسطينية وخصوصا حركة فتح من الخداع الذي قد تمارسه حماس، ويتطلب الامر كذلك التمسك بالمواقف الوطنية الرامية الى انشاء دولة وطنية مستقلة ديمقراطية ليبرالية في ارض 67، وحق تقرير المصير وتثبيت الهوية القومية للشعب الفلسطيني، والتمسك بخيار السلام طريقا لتحقيق تلك الاهداف.
وقد يشعر البعض مع هذا التحليل بالغبطة ويحمد الله ان التناقضات بين حركات الاسلام السياسي والنظام السياسي العربي قد تريحهم من عناء التصدي لتلك الحركات، مما يستدعي التنبيه الى ان هذه الغبطة مخادعة وفيها ضرر كبير اذا اعتقد البعض ان النظام السياسي العربي يمكن ان ينوب عنه في تقويض نفوذ القوى السياسية الدينية، بل بالعكس فان الامر يتطلب اقصى درجات الاستعداد لمواصلة التصدي لتلك القوى فطهران لن تقف مكتوفة الايدي امام محاولات النظام الرسمي العربي ابعادها عن شؤون المنطقة، وربما تتضغط على حلفائها بحماس والجهاد وحزب الله لتصعيد مواقفهما وتوتير الاجواء بالمنطقة، وقد تعمد حركات الاسلام السياسي الى المناورة واظهار مواقف لينة تجاه الانظمة لتفادي الضربات التي قد تتعرض لها، وهذا يتطلب اليقظة وتكثيف الجهود بوجه الفكر الظلامي الذي تبثه في اوساط الجماهير.
ومن نافل القول ان ذلك يستدعي توحيد جهود قوى اليسار والقوى الوطنية والديمقراطية لخوض معركة شرسة مع تيارات الاسلام السياسي التي تجد نفسها لاول مرة منذ سنوات طويلة دون غطاء رسمي نظامي يوفر لها الدعم والرعاية.
ومن المؤكد ان الجهود يجب ان تنطلق من الايمان بالنصر، والايمان بصوابية الموقف الرامي الى اشاعة اوسع مناخات الديمقراطية، وتعزيز القيم والمبادي القائمة على الحرية والعدل والمساواة ورفض كل اشكال التمييز.

ابراهيم علاء الدين

About This Blog

About This Blog

  © Blogger template 'Sunshine' by Ourblogtemplates.com | Distributed by Deluxe Templates 2008

Back to TOP